بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن هدى بهداه..
مازلنا مع صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان، وكنا قد انتهينا من الخمس صفات التي تحت قاعدة التحلي.. فما سبق في الحلقات الماضية التحلي في الفضائل.. فبدأ في قضية التواضع { يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً } ثم العفو { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً } ثم القيام، والصلاة، والمناجاة في { وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } ثم التعوذ من النار في قولهم { رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ } ثم في التوازن والاعتدال في قوله { لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } هذه خمس صفات تحت قاعدة التحلي بالفضائل..
جاء بعد ذلك في التأكيد على ثلاث صفات، وفي ثلاث صفات مهمة جدا تقوم ليها المجتمعات هي من باب قاعدة التخلي عن الرذائل قاعدتين التحلي، والتخلي دائما قاعدة مهمة جميلة؛ لأن المسلم عليه أن يتأملها، ويحاول أن يربي نفسه عليها.. هذه الصفة الأولى من صفات التخلي هي قول الحق عز وجل { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ }..
أهم صفة لعباد الرحمن أنهم لا يشركون بالله، ويحافظون على صفاء، ونقاء توحيدهم.. أليست هي دعوة الرسل؟ لماذا الله عز وجل بعث الرسل؟ لماذا الله تعالى خلق الخلق؟ لماذا أوجد الجنة، وأوجد النار؟
من أجل هذه القضية، ولذلك قال الله تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ }، وقال { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " ولهذا كان الصحيح أن أول واجب يجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله، وهذا أمر قائم السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم يتفقون عليه.. قد يسأل سائل فيقول لماذا يعني ذكرت هذه الصفة ضمن صفات عباد الرحمن مع أنها أصل أصل إيمانهم، وأصل عبادتهم؟ هي أصل في الإيمان.. هي أساس العقيدة؟ والجواب والله أعلم أنه أولا لإظهار كمال عنايتهم بالتوحيد، وإخلاصهم له، والتأكيد عليه، ولذلك مهم دائما التذكير للناس في قضية التوحيد.. الله.. عدم الشرك به.. التجنب، والابتعاد عن الوسائل المفضية للشرك.
ولذلك جاءت هذه الصفة رغم أن هي الأصل ضمن الصفات التي أكدها الله عز وجل في صفات عباد الرحمن يبدو والله أعلم أن الأمر الثاني بالتعرض لما كان عليه كفار قريش، وغيرهم.. فهل هي قضية التي يعني بعث محمد صلى الله عليه وسلم فيهم قضية القضايا مع قريش هي أصل دعوة الإسلام.. فهم يشركون، ويقولون كما قال الله تعالى عنهم: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }.
إذن هذه هي القضية.. هذه هي المشكلة في قضية قريش، ولذلك كان ذكر هذه الصفة { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ } للتعريض بقريش، وأكدت عدد من المرات في هذا البرنامج أن قضية سورة الفرقان هي كانت تحكي.. يعني تلك الحوار، والقضية الكبرى التي جرت بين محمد صلى الله عليه وسلم، وبين قريش في هذا المقطع { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ }.. بدأ بأشنع شيء في قومهم الشرك بالله.. ثم ثن بقضية قتل النفس.. ثم ثلث بقضية الزنا، وهذه القبائح الثلاث هي التي كانت غالبة على المشركين، وهي للأسف اليوم غالبة في واقع، ومجتمعات الناس..
اليوم من تأمل، ونظر في أحوال الناس..
إذن فقول الله تعالى: { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ } هي أول صفة لعباد الرحمن يجب أن يؤكدها الإنسان في نفسه، وهم لا يدعون لله تعالى شريكا، وليس هذا فقط.. بل لا يجعلون بينهم، وبينه في العبادة وسيطا.. أليس هو القائل: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ }؟!
لاحظ النقطة العلمية الجميلة.. كل الأسئلة التي جاءت في القرآن كلها دائما تأتي الإجابة فقل بواسطة.. فقل يا محمد: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً}، { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى }، { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ } فكل الأسئلة جاءت الإجابة لها بقل ما عدا هذه الآية { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي} ما قال فقل.. قال: { فَإِنِّي قَرِيبٌ }، وهذا دلال على أن ليس بين الله، وبين عبده ليس بين العبد، وبين الله في الدعاء، والتوسل أحد { فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }..
ولذلك لاحظ { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } قال هذه الآية في سورة النساء في (الآية ال48) وقال في آخرها { وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } هذه في (الآية ال48) في (الآية 116) في نفس السورة في نفس الآية أي نفس لفظ الآية { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ –قال – وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } لماذا الشرك فيه هذا الضلال البعيد، وهذا الافتراء العظيم، وهذا الظلم الشنيع أتدرون لماذا أجاب الله عز وجل كما في سورة لقمان { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } نعم ظلم الله تعالى يخلق الله تعالى يرزق الله تعالى يحي الله سبحانه وتعالى ينعم، ونعم الله تترى كثيرة على ذلك العبد ثم يشرك به غيره أو يكون الدعاء لغيره أو يكون العبادة لغيره.. أليس هذا ظلم؟
يا أخي الأب، والأم.. إذا صرفا أعمارهما، وأموالهما وجهدهما على أبنائهما في على الأبناء.. ثم قام الأبناء، ولم يبروا بالآباء، ولم يعترفوا بهذا المعروف إلى آبائهم..
فهذا يا أخي ظلم شنيع لا ترضاه الفطر السلمية.. فكيف يا أخي بالله سبحانه وتعالى الذي ينعم، ويرزق، ويعطي، ويسبغ بالعافية على العبد ثم يذهب العبد فيدعو غير الله أو يذهب، ويعبد غير الله.. أليس هذا ظلم؟!
بلى والله ظلم شنيع، ولذلك { لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ثم لاحظ ما الذي يحصل لو أن الإنسان أشرك بالله بشدة شناعته، ولذلك لاحظ أن الله تعالى قال: { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{65} بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ }.
إذن يحبط العلم لا يقبله الله يفسد العلم تماما لمجرد وجود الشرك.. فاحذر فالقضية خطيرة جدا في فساد العمل.. أيضا الله تعالى يقول: { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } هذه قضية ثانية حرم عليه الجنة.. ماذا يريد الإنسان إلا الجنة من الله عز وجل.. رضا الله، والجنة، ولذلك { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ } هذا خبر الله تعالى هذه آية واضحة صريحة في المعنى تماما { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } من هم الظالمون؟ { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } كما في آية لقمان.. ثم لاحظ أثر آخر من آثار الشرك { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ } ما المقصود بالظلم هنا في الآية؟
المقصود.. الشرك.
ما هو الدليل؟ قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية لما نزلت، ولذلك ذهب الصحابة يا رسول الله أينا لم يشرك.. أينا لم يظلم.. أينا لم يلبث إيمانه بظلم {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} كلنا يا رسول الله عافسنا الأولاد، والزوجات، ونبيع، ونشرتي.. فيظلم بعضنا بعض دون أن نفصد.. فأينا يا رسول الله لم يلبث إيمانه بظلم؟ قال: ليس ذاك.. ألم تقرءوا قول العبد الصالح: { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } المقصود بالظلم هنا هو الشرك.. المقصود الذي جاء في آية سورة لقمان.